خاطر عبادة يكتب: إيمان الشعوب والإرادة أقوى من أى إبادة
يوم لايتشاء القدر أن يولد أهل فلسطين من رحم النضال والطهر والألم، وفى كل مرة وعند كل رهان؛ عادة ما يثبت هؤلاء أمام أنفسهم والعالم بأنهم أهل رباط لا يضرهم غدر معتدى- مهما أوتى من سلاح- إلى يوم الدين.. وقد نزع الله من قلوبهم أى وهن أو خوف أو حب للدنيا ضد عدو وصف قلبه بأنه أشد قسوة من الحجارة.
رأى العالم المتحضر بعينه معنى الإيمان متجسدا فى صمود الشعب الفلسطيني ولا يملك سوى إيمانه بربه وتمسكه بأرضه حتى لو تحولت مبانيه إلى أطلال وأمطره العدو المنحط بوابل من الجحيم كل يوم وأحرق الآلاف من الشهداء، لكنه لم يغادر.. وأفشل المخطط والرهان؛ مثلما رفضت مصر أيضا مخطط التهجير
فى كل مشهد من مشاهد الدمار ترى أهالي غزة منتشرين فى الشوارع وحولهم عشرات المنازل منهارة غير مبالين بالقصف الذى يحيط بهم من كل مكان.. يواجهون أقسى الظروف الإنسانية وهم محاصرين وجوعى ويودعون كل دقيقة شهيد جديد ويحتسبونه عند الله من الأبرار؛ ليضربوا أروع الأمثلة فى الصبر و الصمود وليكون ذلك آية عظيمة تشهد على مدى قوة الإيمان وترفع من قيم النضال ومعانى الإيمان النبيلة فى مواجهة آلة غربية وحشية همجية تعود بذاكرة العالم إلى عصور الظلام.. والشعوب الحرة فى الغرب تعى ذلك أن النضال شرف قديم ومعنى مقدس نبيل، أما القتل الجماعى للمدنيين هو سلوك جماعات وحشية من قرون مضت لكنه للأسف حال المجرمين فى كل العصور.
آلاف القنابل أسقطها كيان إرهابى فاشل خلال أكثر من 70 يوما ماضية بهدف واحد هو إرغام شعب على ترك أرضه بالقوة الغاشمة وتهجيره بكل وحشية، ولم يجد سبيلا لذلك سوى إبادة عشرات الآلاف لكنه لم يحصد سوى القتل والدمار.. لم يأبه العدو حتى لتدنى صورته ووضاعته وانفضاح حقارته أمام العالم أجمع مستغلا نفوذه وجبروته وسيطرته على وسائل الإعلام؛ لكنه ينسى أن العالم قرية صغيرة؛ وعشرات الاحتجاجات حول العالم تطارده كل يوم.. ليضاف ذلك إلى فشله العسكرى والسياسي والمعنوى أيضا.
السبب الوحيد الذى يمنع الاحتلال الصهيونى من وقف إطلاق النار الآن.. هو أن الفشل مركب؛ فقد كان يعتقد أن قتل أكبر عدد من الفلسطينيين هو هدف أساسي لدخول تلك الحرب وبذلك يثأر من هجوم حماس يوم 7 أكتوبر.. و إرضاء لغريزتهم القذرة المتعطشة لسفك دماء مؤمنة لكن جرمه تحول إلى عار يلاحقه فكيف ينسى العالم الحديث بشاعة الصور.. وكان يظن أن السبيل الوحيد لاحتلال غزة هو هدم كل المنازل ليمهد الطريق لتوغل الدبابات وعناصر العدو المرتعدة الجبانة لكنهم فى كل مرة يتراجعون ويقتلون ويكتفون بتطويق المدن الكبرى غير قادرين على الاقتحام حتى غاراتهم فشلت فى تهجير السكان.. ثم ينسحبون أمام فصائل واسلحة خفيفة لا تمتلك دبابات وأنظمة دفاع جوى تحميها ولا طائرات.. ويعترف العدو أنه سيحتاج أشهرا إضافية أو ربما عام أو أكثر لتحقيق هدفه.. لكن أثبت الفلسطينيون أن إيمان الشعوب أقوى من أى إبادة وأن إرادة الشعوب عصية دائما على الاستعمار ولا يمكن كسرها مثلما خاب ظن العدوان الثلاثى على بورسعيد عام ٥٦.
فى النهاية سيبحث العدو عن حيلة للخروج من المستنقع الكبير لجنوده لأنه كان يراهن على نزوح السكان وتهجيرهم لمصر لكن الأخيرين رفضا.. لكن لديهم مشكلة فى وقف الحرب الآن حتى لا تكون فشل صهيونى ذريع ومركب لأنه فشل معنوى وأخلاقي وسياسى وعسكري واستراتيجى.. خسر هيبته وانكشف جبن مقاتليه وفشل مخططه رغم امتلاك كل الأدوات والسلاح وانفضح أمام العالم أجمع بجرائمه واهتز سياسيا فغرور القوة الأمريكية أعماهم و أوقعهم فى شر أعمالهم.. ظنوا أن الناس ستنسى بمجرد انتهاء الحرب وسيعملون على تشويه صورة المقاومة الفلسطينية من خلال الإعلام الغربى ثم أن الناس لا يتعاطفون مع الخاسر.. هذا ظنهم وهذه حدود مكرهم.. لكن قوة إيمان الشعب الفلسطينى ملهمة للشعوب الحرة والعالم أجمع ورمزا للعزة والصمود والنضال الإنساني فى عالم يفتقد الرحمة والإنسانية تحت زعامة الغرب المادى.. لكن لم تنجح الآلة الغربية إلى الآن فى هز صورة المؤمن ولا زعزعة عقيدته وإيمانه ولا تشويه نضاله.. بل أعادت الصورة الذهنية السلبية عن تاريخ اليهود الدنيء مع الأنبياء ومدى غلظتهم وسواد قلوبهم وصعوبة التعامل معهم..
هذه المعركة خطيرة تدلل على بشاعة مخططهم وإجرامهم؛ فالعدو يخطط منذ القدم لتهجير أهل غزة ثم الضفة والقدس ثم يتفرغ بعد ذلك لمواجهة الجيش العربى الوحيد فى المنطقة لإضعافه والتأمر على بلاده وهى مصر.. ضمن مخططهم لإسقاط كل الجيوش العربية(من النيل للفرات).. ولذلك فإن مصر ترفض بقوة تصفية القضية الفلسطينية وأفشلت مخطط تهجير الشعب الفلسطيني لأنه يهدد أمنها القومى.. لذلك فإن العدو بدأ يتخلى عن أحلامه بتهجير السكان ويسعى إلى نجاح سياسى محدود على حساب حماس.
جاءت هذه الحرب لتذكرنا كم هى عظيمة مصر بجيشها وشعبها وقوة الجندى المصرى وأهمية الحفاظ على الدولة الوطنية وأن وجود دولة عربية كبرى بحجم مصر كحصن أمان لأمة بأكملها وأنه لم تتفكك دولة عربية إلا بفعل مخطط كان يحاك لها فى إطار مشروع الشرق الأوسط الجديد.
وتحية لأرواح شهداء فلسطين وشعب يتحدى الفناء بل ينشد الخلود فى مواجهة عدو قديم منحط؛ وندعو الله أن يثبت أقدامهم على أراضيهم ويمكن لهم النصر المبين الذى يتعجب له أهل الأرض والسماء..
تحية لأهل فلسطين.. وإن سعادتهم لتكون مضاعفة، الأولى حين يرون صمودهم فى كل مرة مثار إعجاب العالم.. والثانية حين يلقون ربهم شهداء.